سورة النمل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


قوله تعالى: {طس} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي رواية أخرى عنه، قال: هو اسم الله الأعظم.
والثاني: اسم من أسماء القرآن، قاله قتاده.
والثالث: الطاء من اللطيف، والسين من السميع، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {وكِتَابٍ مُبِينٍ} وقرأ أبو المتوكل، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: {وكتابٌ مبينٌ} بالرفع فيهما.
قوله تعالى: {وبُشْرى} أي: بشرى بما فيه من الثواب للمصدِّقين.
قوله تعالى: {زيَّنَّا لَهم أعمالهم} أي: حبَّبْنا إِليهم قبيح فعلهم. وقد بيَّنَّا حقيقة التزبين والعَمَه في [البقرة: 15، 212]. وسُوءُ العذاب: شديده.
قوله تعالى: {هم الأخسرون} لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إِلى النار.
قوله تعالى: {وإِنَّكَ لَتُلَقَّى القُرآنَ} قال ابن قتيبة: أي: يُلْقَى عليك فتَتَلَقَّاه أنت، أي: تأخذه. {إِذ قال موسى} المعنى: اذكر إِذ قال موسى.
قوله تعالى: {بشهاب قَبَس} قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب إِلاّ زيداً: {بشهابٍ} بالتنوين. وقرأ الباقون على الإِضافة غير منوَّن. قال الزجاج: من نوَّن الشهاب، وجعل القبس من صفة الشهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب. فأما من أضاف، فقال الفراء: هذا مما يضاف إِلى نفسه إِذا اختلفت الأسماء، كقوله: {وَلدارُ الآخرة} [يوسف: 109]. قال ابن قتيبة: الشِّهاب: النار، والقَبَس: النار تُقْبَس، يقال: قَبَسْتُ النار قَبْساً، واسم ما قَبَستَ: قَبَسٌ.
قوله تعالى: {تَصْطَلُونَ} أي: تستدفئون، وكان الزمان شتاءً.
قوله تعالى: {فلمّا جاءها} أي: جاء موسى النارَ، وإِنما كان نوراً فاعتقده ناراً، {نُوديَ أن بُورِكَ مَنْ في النّار} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: قُدِّس مَنْ في النّار، وهو الله عز وجل، قاله ابن عباس، والحسن، والمعنى: قُدِّس مَنْ ناداه مِنَ النّار، لا أنّ الله عز وجل يَحُلُّ في شيء.
والثاني: أن {مَنْ} زائدة؛ والمعنى: بوركتِ النَّارُ، قاله مجاهد.
والثالث: أن المعنى: بُورِك على من في النار، أو فيمن في النار؛ قال الفراء: والعرب تقول: باركه الله، وبارك عليه، وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير: بُورِك من في طلب النار، وهو موسى، فحذف المضاف. وهذه تحيَّة من الله تعالى لموسى بالبركة، كما حيَّا إِبراهيمَ بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، فقالوا: {رحمةُ الله وبركاتُه عليكم أهلَ البيت} [هود: 73].
فخرج في قوله: {بُورِك} قولان:
أحدهما: قدِّس.
والثاني: من البَرَكة. وفي قوله: {ومَنْ حَوْلَها} ثلاثة أقوال:
أحدها: الملائكة، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني: موسى والملائكة، قاله محمد بن كعب.
والثالث: موسى؛ فالمعنى: بُورِك فيمن يطلبها وهو قريب منها.


قوله تعالى: {إِنَّه أنا اللّهُ} الهاء عماد في قول أهل اللغة؛ وعلى قول السدي: هي كناية عن المنادي، لأن موسى قال: مَن هذا الذي يناديني؟ فقيل: {إِنَّه أنا الله}.
قوله تعالى: {وأَلْقِ عصاكَ} في الآية محذوف، تقديره: فألقاها فصارت حيَّة، {فلمَّا رآها تهتزُّ كأنَّها جانٌّ} قال الفراء: الجانّ: الحيَّة التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة.
قوله تعالى: {ولَمْ يُعَقِّبْ} فيه قولان:
أحدهما: لم يلتفت، قاله قتادة.
والثاني: لم يرجع، قاله ابن قتيبة، والزجاج. قال ابن قتيبة: وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العَقْبِ.
قوله تعالى: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ} أي: لا يخافون عندي. وقيل: المراد: في الموضع الذي يوحى إِليهم فيه، فكأنه نبَّهه على أن من آمنه الله بالنبوَّة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيَّة.
وفي قوله: {إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه استثناء صحيح، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل؛ والمعنى: إِلا من ظَلَمَ منهم فانه يخاف. قال ابن قتيبة: علم الله تعالى أن موسى مُسْتَشْعِرٌ خِيفةً من ذَنْبه في الرَّجل الذي وَكزَه، فقال {إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً} أي: توبة وندماً، فانه يخاف، وإِني غفور رحيم.
والثاني: أنه استثناء منقطع؛ والمعنى: لكن من ظلَمَ فانه يخاف، قاله ابن السائب، والزجاج. وقال الفراء: {مَنْ} مستثناة من الذين تُركوا في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسَلون، إِنما الخوف على غيرهم، إِلا من ظَلَمَ، فتكون {مَنْ} مستثناة. وقال ابن جرير: في الآية محذوف، تقديره: إِلا من ظَلَمَ، فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حُسْناً.
والثالث: أن {إِلاّ} بمعنى الواو، فهو كقوله: {لِئَلاَّ يكونَ للناس عليكم حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَموا مِنْهُمْ} [البقرة150]، حكاه الفراء عن بعض النحويين، ولم يرضه.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: {أَلا مَنْ ظَلَمَ} بفتح الهمزة وتخفيف اللام.
وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان:
أحدهما: المعاصي.
والثاني: الشِّرك. ومعنى {حُسْناً}: توبة وندماً.
وقرأ ابن مسعود، والضَّحَّاك، وأبو رجاء، والأعمش، وابن السميفع، وعبد الوارث عن أبي عمرو: {حَسَناً} بفتح الحاء والسين. {بَعْدَ سُوءٍ} أي: بعد إِساءة. وقيل: الإِشارة بهذا إِلى أن موسى وإِن كان قد ظلم نفسه بقتل القبطي، فان الله يغفِر له، لأنه ندم على ذلك وتاب. قوله تعالى: {وأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ} الجَيْب حيث جِيبَ من القميص، أي: قُطِع. قال ابن جرير: إِنَّما أًُمر بادخاله يده في جيبه، لأنه كان عليه حينئذ مِدْرَعة من صوف ليس لها كُمّ. والسُّوء: البَرَص.
قوله تعالى: {في تِسْعِ آيات} قال الزجاج: {في} مِنْ صلة قوله: {وأَلْقِ عصاك} {وأدخل يدك}، فالتأويل: أظْهِر هاتين الآيتين في تسع آيات. و{في} بمعنى مِنْ، فتأويله: مِنْ تسع آيات؛ تقول: خذ لي عشراً من الإِبل فيها فحلان، أي: منها فحلان، وقد شرحنا الآيات في [بني إِسرائيل: 101].
قوله تعالى: {إِلى فرعون وقومه} أي: مٌرْسَلاً إِلى فرعون وقَومِه، فحذف ذلك لأنه معروف، {فلما جاءتهم آياتُنا مُبْصِرَةً} أي: بيِّنة واضحة، وهو كقوله: {وآتَينا ثمودَ الناقةَ مُبْصِرَةً} [الاسراء: 59] وقد شرحناه.
قوله تعالى: {قالوا هذا} أي: هذا الذي نراه عِياناً {سِحْرٌ مُبِين} {وجَحَدوا بها} أي: أنكرها {واستَيْقَنَتْها أنْفُسُهم} أنّها مِنْ عند الله، {ظُلْماً} أي: شِركاً {وعُلُوّاً} أي: تكبراً. قال الزجاج: المعنى: وجحدوا بها ظُلماً وعُلُوّاً، أي: ترفُّعاً عن أن يؤمِنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله.


قوله تعالى: {ولقد آتينا داود وسليمان عِلْماً} قال المفسرون: عِلْماً بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال {وقالا الحمدُ لله الذي فضَّلَنا} بالنبوَّة والكتاب وإِلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإِنس {على كثير من عباده المؤمِنِين} قال مقاتل: كان داود أشد تعبُّداً من سليمان، وكان سليمان أعظمَ مُلْكاً منه وأفطن.
قوله تعالى: {وَورِث سليمانُ داودَ} أي: ورث نبوَّته وعِلْمه ومُلْكه، وكان لداود تسعة عشر ذكراً، فخصّ سليمان بذلك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء.
قوله تعالى: {وقال} يعني سليمان لبني إِسرائيل {يا أيُّها الناسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر} قرأ أُبيُّ بن كعب {عَلَمْنا} بفتح العين واللام. قال الفراء: {مَنْطِقَ الطَّير}: كلام الطَّير، كالمنطق إِذا فُهم، قال الشاعر:
عَجِبْتُ لها أَنَّى يَكُونُ غِناؤها *** فَصيحاً ولم تَفْغَرْ بمَنْطِقها فَمَا
ومعنى الآية: فهمنا ما تقول الطَّير. قال قتادة: والنمل من الطَّير. {وأُوتِينا من كُلِّ شئ} قال الزجاج: أي: من كل شئ يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس. وقال مقاتل: أُعطينا المُلك والنبوَّة والكتاب والرِّياح ومَنْطِق الطَّير، وسخِّرت لنا الجنُّ والشياطين.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه، قال: أُعطي سليمان مُلْك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر، وملك اهلَ الدنيا كلَّهم من الجن والإِنس والشياطين والدواب والطير والسباع، وأُعطي عِلْم كل شيء ومنطق كل شيء، وفي زمانه صُنعت الصنائع المعجِّبة، فذلك قوله: {عُلِّمنا مَنْطِقَ الطَّير وأوتينا من كلِّ شيء}.
قوله تعالى: {إِنَّ هذا} يعني: الذي أُعطينا {لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ} أي: الزيادة الظاهرة على ما أُعطي غيرنا. {وحُشِر لسليمان جنودُه} أي: جُمع له كل صِنف من جُنده على حِدَة، وهذا كان في مسيرٍ له، {فهم يُوزَعُون} قال مجاهد: يُحبَس أوَّلُهم على آخرهم. قال ابن قتيبة: وأصل الوَزْع: الكَفُّ والمنع. يقال: وزَعْت الرَّجل، أي: كففته، ووازِعُ الجيش: الذي يكفُّهم عن التفرُّق، ويردُّ مَنْ شَذَّ منهم.
قوله تعالى: {حتَّى إِذا أَتَوا} أي: أشرفوا {على وادي النَّمْل} وفي موضعه قولان:
أحدهما: أنه بالطَّائف، قاله كعب.
والثاني: بالشَّام قاله قتادة.
قوله تعالى: {قالتْ نَمْلَةٌ} وقرأ ابو مجلز، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرف {نَمُلَةٌ} بضم الميم؛ أي: صاحت بصوت، فلما كان ذلك الصوت مفهوماً عبّر عنه بالقول؛ ولمَّا نَطَقَ النَّمل كما ينطق بنو آدم، أُجري مجرى الآدميين، فقيل: {ادخُلوا}، وألهم الله تلك النملة معرفة سليمان مُعْجِزاً له، وقد ألهم الله النمل كثيراً من مصالحها تزيد به على الحيوانات، فمن ذلك أنها تكسر كل حبَّة تدخرها قطعتين لئلاّ تَنْبُت، إِلا الكُزْبرة فانها تكسرها أربع قطع، لأنها تَنْبُت إِذا كُسرت قطعتين، فسبحان من ألهمها هذا!
وفي صفة تلك النملة قولان:
أحدهما: أنها كانت كهيئة النعجة، قال نوف الشامي: كان النمل في زمن سليمان بن داود كأمثال الذئاب.
والثاني: كانت نملة صغيرة.
{ادخلوا مساكنَكم} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري: {مَسْكَنَكم} على التوحيد.
قوله تعالى: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ} الحَطْم: الكَسْر. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رجاء {لَيَحْطِمَنَّكُمْ} بغير ألف بعد اللام. وقرأ ابن مسعود: {لا يَحْطِمْكُمْ} بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وسكون الميم وحذف النون. وقرأ عمرو بن العاص، وأبان {يَحْطِمَنْكُمْ} بفتح الياء وسكون الحاء والنون ساكنة أيضاً والطاء خفيفة. وقرا أبو المتوكل، وأبو مجلز: {لا يَحِطِّمَنَّكُمْ} بفتح الياء وكسر الحاء وتشديد الطاء والنون جميعاً. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {يُحْطِمَنَّكُمْ} برفع الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وتشديد النون. والحَطْمُ: الكَسْر، والحُطَام: ما تحطَّم. قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال.
وفي قوله: {وهم لا يَشْعُرون} قولان:
أحدهما: وأصحاب سليمان لم يشعروا بكلام النملة، قاله ابن عباس.
والثاني: وأصحاب سليمان لا يَشْعُرون بمكانكم، لانها علمتْ أنَّه ملك لا بغي فيه، وأنهم لو علموا بالنمل ما توطَّؤوهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فتبسَّمَ ضاحكاً} قال الزجاج: {ضاحكاً} منصوب، حال مؤكَدة، لأن تبسّم بمعنى ضحك. قال المفسرون: تبسم تعجُّباً ممَّا قالت: وقيل: من ثنائها عليه. وقال بعض العلماء: هذه الآية من عجائب القرآن، لأنها بلفظة {يا} نادت {أيها} نبهت {النمل} عيَّنت {ادخلوا} أمرت {مساكنَكم} نصَّت {لا يحطمنَّكم} حذَّرت {سليمانُ} خصَّت {وجنوده} عمَّت {وهم لا يشعُرون} عذرت.
قوله تعالى: {وقال ربِّ أَوْزِعْني} قال ابن قتيبة: ألهِمْني، أصل الإِيزاع: الإِغراء بالشيء، يقال: أوزَعْتُه بكذا، أي: أغريتُه به، وهو مُوزَعٌ بكذا، ومُولَعٌ بكذا. وقال الزجاج. تأويله في اللغة: كُفَّني عن الأشياء إِلا عن شُكرِ نِعمتك؛ والمعنى: كُفَّني عمَّا يُباعِد منك، {وأن أَعْمَلَ} أي: وألهِمْني أن أعمل {صالحاً ترضاه} قال المفسرون: إِنما شكر اللّهَ عز وجل لأن الريح أبلغت إِليه صوتها ففهم ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6